كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذهب قوم إلى أن هذا على المجازاة ان جازاه بذلك وأن العفو مرجو له مع التوبة.
وهذا لا يحتاج أن يقال فيه ان جازاه ولكن القول فيه عند العلماء أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه إذا لم يتب فان تاب فقد بين أمره لقوله عز وجل: {وإني لغفار لمن تاب} فهذا لا يخرج عنه شيء.
164 وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} وتقرأ فتثبتوا قال أبو عبيد واحداهما قريبة من الاخرى وقال غيره قد يتثبت ولا يتبين فالاختيار فتبينوا.
ومعنى ضربتم سافرتم.
165 ثم قال جل وعز: {ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلم لست مؤمنا} وقرأ ابن عباس {لمن ألقى اليكم السلام} فمن قرأ السلم فمعناه عنده الانقياد والاستسلام ومن قرأ السلام فتحتمل قراءته معنيين أحدهما أن يكون بمعنى السلم والآخر أن يكون من التسليم وروى عطاء وعكرمة عن ابن عباس أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا براع فقال السلام عليكم فقالوا انما تعوذ فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا}.
قال ابن عباس يعني الغنيمة وروي عن أبي جعفر أنه قرأ {مؤمنا} بفتح الميم الثانية من أمنته إذا أجرته فهو مؤمن.
166 وقوله جل وعز: {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم} قال سعيد بن جبير أي كذلك كنتم تخفون ايمانكم فمن الله عليكم أي فمن الله عليكم بالغزو واظهار الدين.
واختار أبو عبيد القاسم بن سلام {ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام} وخالفه أهل النظر فقالوا السلم هاهنا أشبه لأنه بمعنى الانقياد والتسلم كما قال جل وعز: {فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء}.
167 وقوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال ابن عباس لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها.
168 ثم قال جل وعز: {غير أولي الضرر} الضرر الزمانة وتقرأ غير رفعا ونصبا قال أبو إسحاق ويجوز الخفض فمن رفع فالمعنى لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر أي لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر والمعنى لا يستوي القاعدون الاصحاء ومن قرأ غير نصبا فهو يحتمل معنيين أحدهما الاستثناء ويكون المعنى الا أولي الضرر فانهم يستوون مع المجاهدين.
والمعنى الآخر أن يكون غير في موضع الحال أي لا يستوي القاعدون أصحاء والمعنى على النصب لأنه روى زيد بن ثابت والبراء بن عازب أنه لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قام ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله أنا ضرير فنزلت {غير أولي الضرر} فألحقت بها هذا معنى الحديث ومن قرأ بالخفض فالمعنى عنده من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر أي من المؤمنين الاصحاء.
169 وقوله جل وعز: {وكلا وعد الله الحسنى} المجاهدين وأولي الضرر وعد الله الحسنى. قال أهل التفسير يعني بالحسنى الجنة.
170 ثم قال جل وعز: {وفضل الله المجاهدين على القاعدين} الذين ليس لهم ضرر {أجرا عظيما درجات منه} وروي عن ابن محيريز أنه قال تلك سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة.
171 وقوله جل وعز: {ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} وقرأ عيسى وهو ابن عمر {ان الذين يتوفاهم الملائكة} هذا على تذكير الجمع.
ومن قرأ {توفاهم} فهو يحتمل معنيين أحدهما أن يكون فعلا ماضيا ويكون على تذكير الجمع أيضا والآخر أن يكون مستقبلا ويكون على تأنيث الجماعة والمعنى تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين قال عكرمة والضحاك هؤلاء قوم أظهروا الاسلام ثم لم يهاجروا إلى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم {ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين هذا سؤال توبيخ.
172 ثم قال جل وعز: {الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال مجاهد هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الاسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال: {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم} وعسى ترج وإذا أمر الله جل وعز أن يترجى شيء فهو واجب كذلك الظن به.
173 وقوله جل وعز: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة} المراغم عند أهل اللغة والمهاجر واحد يقال راغمت فلانا إذا هجرته وعاديته كأنك لا تباليه عن وان لصق أنفه بالرغام وهو التراب.
وقيل انما سمي مهاجرا ومراغما لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم فسمي خروجه مراغما وسمي مصيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم هجرة وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {مراغما} يقول متحولا من أرض إلى ارض قال: {وسعة} يقول في الرزق وقال قتادة من الضلالة إلى الهدى أي سعة من تضييق ما كان فيه من انه لا يقدر على اظهار دينه.
واللفظة تحتمل المعنيين لأنه لا خصوص فيها.
174 وقوله جل وعز: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} قال سعيد بن جبير نزلت في رجل يقال له ضمرة من خزاعة كان مصابا ببصره فقال أخرجوني فلما صاروا به إلى التنعيم مات فنزلت هذه الآية فيه.
175 وقوله جل وعز: {واذ ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} قال يعلى بن أمية سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت انما كان هذا وقت الخوف وقد زال اليوم فقال عجبت.
مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته» ومعنى {ضربتم في الارض} سافرتم كما قال: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} وفي معنى قوله جل وعز: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} قولان أحدهما أنه اباحة لا حتم كما قال: {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} والقول الآخر أن هذا فرض المسافر كما روت عائشة فرضت الصلاة ركعتين فأقرت في السفر وزيد في صلاة الحضر ويكون مثل قوله: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} والطواف حتم وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا} وليس فيه ان خفتم فالمعنى على قراءته كراهة أن يفتنكم الذين كفروا ثم حذف مثل {واسأل القرية} يقال قصر الصلاة وقصرها وأقصرها.
176 ثم قال جل وعز: {ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا} عدو هاهنا بمعنى أعداء.
177 وقوله عز وجل: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بينه وبين القتال فيهم أو عليهم خالد بن الوليد فقال المشركون لقد كانوا في صلاة لو أصبنا منهم لكانت الغنيمة فقال المشركون انها ستجئ صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم قال ونزل جبريل بالآيات فيما بين الظهر والعصر وذكر الحديث وسنذكر حديث صالح بن خوات الذي يذهب أهل المدينة إليه وكرهنا الاطالة في ذلك وحديث صالح فيه قضاء كل طائفة صلاتها قبل انصرافها من القبلة وليس كذا غيره والمعنى وإذا كنت فيهم وثم خوف.
178 ثم قال جل وعز: {فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم} والمعنى وليأخذ الباقون أسلحتهم.
179 ثم قال جل وعز: {فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم} وأهل المدينة يذهبون في صلاة الخوف إلى حديث يحيى بن سعيد الانصاري عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الانصاري أن سهل بن أبي حثمة حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الامام مستقبل القبلة ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو.
فيركع الامام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فإذا استوى قائما ثبت وأتموا لانفسهم الركعة الثانية ثم سلموا وانصرفوا والامام قائم فيكونون وجاه العدو ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون مع الامام فيركع بهم ركعة ويسجد ثم يسلم فيقومون فيركعون لانفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون.
180 وقوله جل وعز: {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} يجوز أن يكون هذا للجميع لأنه وان كان الذين في الصلاة لا يحاربون فانهم إذا كان معهم السلاح كان ذلك أهيب للعدو ويجوز أن يكون الذين أمروا بأخذ السلاح الذين ليسوا في الصلاة لأن المصلي لا يحارب.
181 وقوله عز وجل: {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم} أي فاذكروه بالشكر والتسبيح وما يقرب منه.
182 ثم قال جل وعز: {فإذا اطمأننتم} قال مجاهد فإذ صرتم في الاهل والدور والمعروف في اللغة أنه يقال اطمأن إذا سكن فيكون.
المعنى فإذا سكن عنكم الخوف وصرتم إلى منازلكم {فأقيموا الصلاة} قال مجاهد أي فأتموها.
183 ثم قال جل وعز: {ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} وروى ليث عن مجاهد أن الموقوت المفروض وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال موقوتا واجبا وقال زيد بن أسلم موقوتا منجما أي تؤدونها في أنجمها والمعنى عند أهل اللغة مفروض لوقت بعينه يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو موقت وهذا قول زيد بن أسلم بعينه.
184 وقوله جل وعز: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم} أي لا تضعفوا يقال وهن يهن وهنا ووهونا.
185 ثم قال جل وعز: {ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون} قال الضحاك أي تشكون {وترجون من الله ما لا يرجون} قال الضحاك أي في جراحاتكم من يعني من الاجر وقال غيره ترجون من النصر والعافية ما لا يرجون وقيل ترجون تخافون.
186 وقوله عز وجل: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} قال مجاهد كان رجل من الانصار يقال له ابن أبيرق واسمه طعمة سرق درعا فلما فطن به استودعها عند رجل من اليهود وادعى أن اليهودي أخذها فجاء قومه يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذره فأنزل الله عز وجل: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} إلى قوله: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم}. والجدال في اللغة أشد الخصومة ويقال رجل أجدل إذا كان شديدا ويقال للصقر أجدل لأنه من أقوى الطير.
187 ثم قال جل وعز: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} أي يحكمونه ليلا.
188 وقوله جل وعز: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة} أي يوم تظهر الحقائق وانما يحكم في الدنيا بما يظهر قال أبو جعفر قال أبو إسحاق المعنى ها أنتم الذين يذهب إلى أن هؤلاء بمعنى الذين.
189 ثم قال جل وعز: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} أي استغفار غير عائد لأنه إذا عزم على العودة فليس بتائب.
190 ثم قال جل وعز: {ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه} أي عقابه يرجع عليه {ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا} قال سعيد بن جبير نزلت في ابن أبيرق لما رمى اليهودي بالدرع التي سرقها.
191 ثم قال جل وعز: {فقد احتمل بهتانا واثما مبينا} البهتان الكذب الذي يتحير من عظمه.
192 ثم قال جل وعز: {ولولا فضل الله عليك ورحمته} أي بأنه أوحي اليك ما فعله ابن أبيرق {لهمت طائفة منهم أن يضلوك} أي يخطئوك في الحكم {وما يضلون الا أنفسهم وما يضرونك من شيء} أي لانك معصوم.